النظام القضائي في الدول الديمقراطية يلعب دوراً فعالاً ومهماً في ترسيخ مبادئ العدالة وسيادة حكم القانون وحماية حقوق الانسان وحرياته. شعور الفرد واحساسه بفعالية النظام القضائي واستقلاله، واستقلال القاضي وحياده، يجعل الفرد يطمئن لمحاكمته ومثوله امام قاضيه الطبيعي. لذلك فان عدم الشعور بحياد القاضي أو استقلال السلطة القضائية يقدح في اجراءات المحاكمة ويُعدم الثقة في المنظومة العدلية، لان الحق في المحاكمة العادلة من حقوق الانسان التي نظمتها القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.
استقلال السلطة القضائية يعني أن تكون السلطة
القضائية مستقلة عن السلطات الأخرى في الدولة سواء كانت تشريعية أو تنفيذية، ولا
يجوز لهذه السلطات التدخل في اعمال السلطة القضائية بأي شكل من الاشكال ومهما كانت
الظروف والمسوغات. هذا المفهوم ينطبق على السلطة القضائية كـ (سلطة) ضمن سلطات
الدولة الثلاث، باعتبارها الضامن للحريات العامة والحقوق في الدولة. لذلك يجب أن تُحرر
السلطة القضائية من تدخل السلطات الاخرى في العمل القضائي، ومفهوم الاستقلال ينطبق
أيضاً على (القضاة) باعتبارهم المكونين للسلطة القضائية وهم اداة تطبيق القانون يجب
أن ينظروا في الدعوى الجنائية دون تحيز شخصي. استقلال السلطة القضائية ركيزة
اساسية ومبدأ من مبادئ حقوق الانسان يرتبط بمفهوم المحاكمة العادلة ارتباطا وثيقاً،
حيث نصت أغلب الدساتير في العالم والقوانين المنظمة لعمل السلطات القضائية والمبادئ
الأساسية الواردة بشأن استقلال القضاء على كيفية تعيين القضاة وطريقة عملهم وكيفية
عزلهم وانهاء خدماتهم.
والشريعة الإسلامية كانت سباقة في ذلك، حيث نظَّمت
عملية تعيين القضاة وطريقة عزلهم، حيث قرر الفقهاء في موضوع العزل أن ولاية القاضي
لا تنتهي بوفاة الخليفة الذي عينه. وبرروا ذلك بأن القاضي يستمد ولايته من
"الأمة" لا من "الخليفة"، وأن الخليفة عندما يعين القاضي
يعتبر رسولاً عن الأمة وممثلاً لها في "عقد" تعيين القاضي، لذلك يسري
المبدأ الذي يقول إن وفاة الوكيل لا أثر لها على العقد الذي باشره لصالح الوكيل. وفي
القوانين والنظم الحديثة بمجرد اعتماد تعيين القاضي من قبل رئيس الدولة يصبح القاضي
مستقلاً بشكل تام عن السلطة التي عينته، ولا يستطيع رئيس الدولة أو أي جهة في
السلطة التنفيذية التقرير بشأن عدم صلاحية القضاة أو عزلهم.
المبادئ الاساسية الواردة بشأن استقلال السلطة
القضائية المعتمدة من الأمم المتحدة نصت على انه في حال تقدم أحد بشكوى ضد قاضي،
يجب أن يُنظر الى الشكوى أو التهمة على نحو مستعجل وعادل وبموجب إجراءات ملائمة وأن
ينال القاضي محاكمة عادلة. وألا يكون القاضي عرضة للعزل أو الايقاف إلاَّ لما
تقتضيه دواعي عدم القدرة أو السلوك الذي يجعله غير لائق لأداء عمله كقاضي. على أن
تكون جميع قواعد الاجراءات التأديبية فيما يتعلق بالإيقاف أو العزل من الوظيفة
تلائم قواعد السلوك القضائي المنصوص عليها في المواثيق الدولية. وفي حال صدر في
مواجهة القاضي قرار تأديبي أو قرار بالعزل والايقاف عن العمل يجب أن تكون جميع القرارات
المتخذة قابلة لإعادة النظر لدى جهة مستقلة، اما إذا كانت الاجراءات المتخذة ضد
القاضي بشأن قضايا الاتهام الجنائي فلا تكون قابلة لإعادة النظر.
ارتباط استقلال القضاء بمبدأ المحاكمة العادلة
يكون في حال خشي القاضي العزل، فاذا خشي القاضي العزل يكون عُرضة لعدم الحياد
والنزاهة، تدخل جهة غير مجلس القضاء الاعلى في التعيين والعزل يقدح في استقلال
القاضي وحياده ومهنيته، واهمية حياد القاضي تتأتى من اعتباره ضمانة للمتهم للحفاظ على حقوقه
وحرياته. فقد ورد التأكيد على استقلال القاضي وحياده ونزاهته في العديد من المواثيق
والمؤتمرات الدولية، فضلاً عن التشريعات الداخلية للدول، فعلى الصعيد الدولي جاءت
المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن:( لكل إنسان الحق على قدم
المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ونزيهة نظراً
عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه له)، كما نصَّت
المادة (14/1) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م على أن:
(جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر في أي تهمة جنائية
ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا القانونية، في محاكمة عادلة وعلنية
بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا إلى القانون...) وتأكيداً لمبدأ
حياد القاضي أقر المؤتمر الدولي لرجال القانون المنعقد في نيودلهي سنة 1959م على أن:
(القاضي لا يمكنه ممارسة عمله بطريقة تحكميَّة).
هذه المبادئ المذكورة مبادئ راسخة ومستقرة في
القانون الدولي، عدم وجود هذه المبادئ في القانون الداخلي لا يعني عدم الاسترشاد والمطالبة بها، خاصة
السودان من الدول المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة
1966م ويتقدم بصورة كبيرة نحو التوقيع والمصادقة على جميع الاتفاقيات الدولية
المتعلقة بحقوق الانسان. قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991م نص في المادة (131)
على الحالات التي يجب أن يتنحى القاضي فيها عن تولي المحاكمة، منها يجب ألاَّ يكون
القاضي قد تحرى في أي دعوى جنائية من قبل أو أن يكون طرفا فيها او له فيها مصلحة،
ولا يجوز للقاضي الذي أصدر الحكم في الدعوى الجنائية الاشتراك في نظر الطعن او
تأييد او فحص الحكم موضوع الدعوى الجنائية، والتنحي هنا يكون من تلقاء نفس القاضي
إذا استشعر الحرج في ذلك، أما إذا استمر القاضي في تولي الدعوى الجنائية ولم يتنحى
من تلقاء نفسه ولم يستشعر الحرج، فتُقدم بشأنه شكوى لرئيس القضاء لرده عن الدعوى. علماً
بأن بعض التشريعات توسعت في الحالات
التي يجب فيها رد القاضي عن نظر الدعوى وأدخلت وجود العداوة والمودة والقرابة حتى الدرجة
الرابعة الخ.
تدخل جهة غير "مجلس القضاء الأعلى"
في عزل القضاة بحجة الانتماء السياسي للنظام السابق دون مجلس محاسبة وتحقيق ودون اثبات
أي مخالفات عليهم، يجعل القضاة الذين لازالوا على راس العمل يخشون العزل من السلطة
القضائية. والقاضي الذي يخشى العزل يكون غير محايداً وقد يسعى لإرضاء الجهة التي
تتولى العزل والتعيين. كما أن تعيين رئيس القضاء من قبل قوى سياسية حزبية بحجة عدم
تشكيل مجلس القضاء الاعلى، لا يساهم في استقلال السلطة القضائية ولا في نزاهة تولي
الوظيفة القضائية. يجب ابعاد التدخلات السياسية والعمل الحزبي عن العمل القضائي
لان الابعاد سيصب في مصلحة العدالة وسيادة حكم القانون وبناء دولة المؤسسات التي
يحكمها القانون، الا إذا أردنا استبدال تمكين بتمكين، واستخدام الاحلال والابدال
في التشفي وارضاء الذات والكسب السياسي.
(1) "الشركة ذات المسئولية المحدودة وفقا لنظام الشركات السعودي" بالضغط هنا .
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات