المستشار د. منذر صديق أحمد*
يكتب عن ✍️
الاستقالة من الوظيفة العامة
تعتبر الاستقالة من الاسباب التي تنهي الرابطة القانونية بين العامل في الخدمة العامة والادارة التي يعمل فيها، وهي تعبير صريح يبدي فيه العامل تركه للعمل بصفة نهائية نتيجة لوقائع وأسباب جعلته يتخذ مثل هكذا قرار. ودائما ماتبنى الاستقالة علي اعتبارات إجتماعية أو بطبيعة العمل أو غيرها.
العامل في بادئ الامر قد تقدم بطلب العمل وانضم برغبته للادارة، فهل له الحق في الاستقالة؟ وماهي الضوابط والشروط التي نص عليها في القوانين واللوائح للاستقالة؟ وماهي الاثار التي تترتب علي تقديم الاستقالة؟ وماهي الاستقالة نفسها ومشروعيتها؟
*أولا تعريف الاستقالة*
تعرف الاستقالة ب :( طلب الاعفاء من الالتزام أو العمل) ويمكن القول حسب رؤيتنا أن هذا التعريف يتماشى مع الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه. والذي يتعلق بالاستقالة من الوظيفة العامة في الدولة.
وتعرف كذلك بعدة تعريفات متعددة ولكن يمكننا أن نعرفها ب :( *التعبير الصريح الذي يصدر من العامل في الخدمة العامة عن ارادته التامة وغير المشروطة والموافق عليها من جانب الجهة المختصة بالتعيين، في ترك الخدمة الوظيفية بصورة نهائية*.)
- من خلال التعريف أعلاه يمكن استنتاج بعض الملاحظات وهي :-
1/التعبير عن الارادة يشترط أن يكون صراحة.
2/ يشترط أن لايكون التعبير عن الارادة مشروطا بشرط او قيد.
*ثانيا مشروعية الاستقالة*
من المعلوم شرعا أن الانسان لايكره علي القيام بعمل لايريده بل لايكره حتى في اعتناق الاسلام، حيث جاء في قوله تعالى (لاإكراه في الدين). سورة البقرة الاية 256.
ويؤيد ذلك ماجاء في التطبيق العملي في فترة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، حيث ورد في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة انه عندما قدم معاذ بن جبل الى المدينة من اليمن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على سيدنا ابابكر فقال له : ( أرفع حسابك. فقال : احسابان، حساب من الله وحساب منكم؟ لاوالله لا ألي لكم عملا ابدا)
كذلك ذكر ابن تيمية : ( أن معاوية بن يزيد عندما ألت اليه الخلافة بالوراثة قدم استقالته وخير الامة بين خيارين : الأول أن يفوضوه ليختار لهم من يراه مناسبا لادارة شؤون الدولة، والثاني أن يختاروا لانفسهم إماما، الا انهم رفضو الاستقالة وبايعوه اماما لهم).
*ثالثا التعبير عن الاستقالة*
يمكن ان يكون التعبير عن الاستقالة صراحة وذلك بتقديم العامل لاستقالته مكتوبة. وقد تكون كذلك ضمنية بترك العمل دون اذن أو غير ذلك. وقد تكون الاستقالة تشجيعية يقدمها العامل بتشجيع من ادارته التي يعمل فيها. (وهنا يدخل دور الاغراء).
فقد ورد في المادة 148من لائحة الخدمة المدنية لسنة 2007 في الفقرة أ. منها على مايلي ( يجوز للعامل في الدرجات الوظيفية المختلفة التقدم بإستقالته مكتوبة لانهاء خدمته، ولاتنتهي تلك الخدمة الا بصدور قرار مكتوب بقبول استقالته من السلطة المختصة)
كما نصت الفقرة ب ( علي الرغم من أحكام البند أ تعتبر الاستقالة قد قبلت حكما بعد مضي ثلاثين يوما من تاريخ تقديمها وتنتهي الخدمة في ذلك التاريخ).
اما الفقرة ج نصت علي ( يجب علي العامل الذي يقدم استقالته في حالة عدم تسليمه اخطارا بقبولها أن يخطر رئيسه المباشر كتابة قبل عشرة أيام من نهاية الثلاثين يوما ليقوم الرئيس بترتيبات التسليم والتسلم).
اما الفقرة د. نصت علي (تكون سلطة قبول الاستقالة لذات مستويات السلطة المختصة في حالة التعيين واعادة التعيين بالخدمة)
- اما المادة 149من اللائحة في الفقرة 2 فقد نصت صراحة علي الاتي :( لايجوز للعامل الرجوع عن الاستقالة بعد تقديمها الا بعد موافقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة، بحسب الحال شريطة أن تتم هذه الموافقة قبل البت في أمر قبول الاستقالة).
- نخلص من النصوص اعلاها الى ان العامل يجب أن يستمر في عمله الى ان يخطر بقبول استقالته أو أن ينقضي القيد الذمني المنصوص عليه. ولكن قد يتبادر الي الذهن سؤال فيما ورد بالمادة 149 من اللائحة، ماهو الوضع القانوني السليم ان أصدرت الجهة المختصة قرارا بقبول الاستقالة بعد سحبها من قبل العامل؟
بلا شك يمكن القول أن القرار باطلا لعدم استناده على ركن السبب.
وقد عالج المشرع السوداني في لائحة الخدمة المدنية شأن العامل الذي تقدم بإستقالته وهو لايرغب في الاستمرار بالعمل في المادة 148 الفقرة ب/1 اذا بقي العامل بعد تقديم الاستقالة ثلاثين يوما فإنه يجوز له مغادرة العمل بإعتبار ان استقالته قبلت حكما من قبل الجهة المختصة.
*رابعا أثار الاستقالة*
الاستقالة ترتب اثار علي العامل والسلطة المختصة يمكن اجمالها في الأتي :.
1/ الاثر المباشر لتقديم
الاستقالة انهاء الرابطة القانونية بين العامل والادارة التي يعمل فيها، وذلك في حالة قبول الجهة الادارية المختصة للاستقالة ومن ثم يصبح العامل اجنبيا عن ادارته السابقة. ويستبعد اسمه من كشوفات العاملين والمرتبات ويجب عليه تسليم عهدته إن وجدت.
2/في حالة عدم قبول الاستقالة من قبل الجهة المختصة فإن للعامل الحق في رفع امره للقضاء لتقرير ذلك والحصول علي حكم.
3/ اذا غادر العامل عمله دون علمه بقبول استقالته وقبل قبولها من الجهة المختصة فإن ذلك يرتب عليه عقوبة تأديبية بسبب أن التصرف لايتماشى مع مبدأ استمرارية المرافق العامة بإنتظام وبالتالي قد يؤدي الي تعطيل المصلحة العامة والمصالح الخاصة ولو مؤقتا خاصة في الادارات الخدمية.
4/ بمجرد قبول الاستقالة فإن العامل المستقيل لايجوز له أن يباشر العمل بالادارة فهذا لايقبل ويخضع للمساءلة القانونية ويجب ان ينهى التفويض الممنوح للعامل المستقيل سواء كان تفويض بالتوقيع أو الاختصاص.
5/ من اثار الاستقالة علي العامل المستقيل أنه لايجوز له التعيين في الخدمة العامة الا بعد مرور ستة أشهر علي قبول استقالته ونص على ذلك في المادة 33/3 من لائحة الخدمة المدنية.
6/ يحرم العامل المستقيل من مكافأة نهاية الخدمة.
*ختاما نخلص للاتي*
1/ ان الاستقالة جائزة شرعا
2/ لم يتناول المشرع السوداني معالجة للاستقالة المشروطة او التشجيعية.
3/ ثمة لبس بين الاستقالة والفصل من الخدمة العامة بحيث لم يميز بينهما المشرع السوداني.
4/ الاستقالة حق للعامل في الخدمة العامة كفله القانون.
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد نبراس الأمة.
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات