د. مصعب عوض الكريم علي ادريس
قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م لسنة 2019م نصَّ على تشكيل لجنة تسمى "لجنة إدارة الأموال المستردة" بموجب قرار من رئيس مجلس الوزراء ورئاسة وزير المالية وعضوية آخرين، تختص هذه اللجنة بحصر الأموال وتصنيفها وإدارتها، لكن هذه اللجنة لم ترى النور. استعاض عنها رئيس مجلس الوزراء بـ "شركة قابضة لإدارة الأموال المستردة" بموجب القرار الوزاري رقم (49) لسنة 2021م الصادر بتاريخ 07/02/2021م. هذا القرار جاء مخالفاً لقانون تفكيك الثلاثين من يونيو 1989م، لان القانون لم ينص على انشاء "شركة لإدارة الأموال" بل نصَّ على انشاء "لجنة لإدارة الأموال المستردة". قرار انشاء الشركة القابضة نص على احقية الشركة في القيام بكافة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية بما في ذلك المساهمة بمفردها أو مع الغير في تأسيس الشركات أو المشاركة في رؤوس أموال الشركات وشراء وبيع وتأجير واستثمار واستغلال الأصول المالية وغير المالية الثابتة والمنقولة والانتفاع بها بكافة الوسائل المشروعة والاستثمار المالي وغيرها.
الصلاحيات والمهام الموكلة للشركة تقتضي أن تكون الشركة هي الجهة المالكة للأموال المستردة، أو أن تكون وزارة المالية أو حكومة السودان هي الجهة المالكة للأموال باعتبار أن الشركة مملوكة للدولة. وبما الأموال المستردة من اشخاص أو شركات مملوكة لهم ومسجلة بأسمائهم، والتسجيل في القانون سند الملكية سواء كانت هذه الأموال ثابتة او منقولة، بالتالي هذه الأموال تعتبر أموال خاصة " ملكية خاصة". والملكية الخاصة تتمتع بالحماية القانونية والدستورية بموجب الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م تعديل 2020م. حيث نصَّت المادة (61/2) من الوثيقة على أن: (... لا تصادر الأموال الخاصة إلاَّ بموجب حكم قضائي). لذلك لا تستطيع الشركة القابضة التصرف في الأموال المستردة بالبيع أو التأجير أو الاستثمار تصرف المالك في ملكه. فكيف تتصرف الشركة القابضة في الأموال المستردة من الأشخاص والشركات المملوكة لأشخاص ولا زالت القرارات الصادرة بالاسترداد لم تستنفذ طرق الاستئناف المنصوص عليها في القانون؟
قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م نص على انشاء لجنة الاستئنافات للنظر والفصل في الاستئنافات التي تقدم من ذوي الشأن والمتضررين من قرارات لجنة ازالة التمكين. تتكون هذه اللجنة من خمسة اشخاص يتم تعيينهم بواسطة مجلسا السيادة والوزراء. وبالفعل تم انشاء لجنة الاستئنافات بموجب قرار صادر من مجلس السيادة. لاحقاً استقال من اللجنة عضوين هما الدكتور نصر الدين عبد البارئ وصديق يوسف، مما عرقل عمل اللجنة ومنعها من ممارسة أعمالها وسلطاتها وفق القانون.
الحق في استئناف القرارات والأحكام حق دستوري منصوص عليه في الوثيقة الدستورية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م وجميع المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان. الوثيقة الدستورية نصت على الحق في التقاضي في المادة (53): (يكفل للكافة الحق في التقاضي ولا يجوز منع أحد من حقه في اللجوء الى العدالة). غياب لجنة الاستئنافات وعدم ممارستها لسلطاتها واختصاصاتها بموجب القانون كل هذه الفترة، يعتبر حرمان للأشخاص من حقهم في اللجوء الى العدالة وانصافهم، بالإضافة غياب المحكمة الدستورية وعدم تشكيلها وهي الجهة الوحيدة التي لها الحق في النظر في حماية الحقوق الدستورية المنصوص عليها في الوثيقة بما في ذلك (الحق في اللجوء للعدالة).
وعدم اتاحة الفرصة للمتضررين لاستنفاذ طرق الطعن بالاستئناف في قرارات لجنة إزالة التمكين يجعل قرارات اللجنة "قرارات ابتدائية" وليست "قرارات نهائية"، والقرارات الابتدائية لا يتم تنفيذها قانوناً، لذلك لا تستطيع الشركة القابضة المنشأة بقرار من رئيس مجلس الوزراء من أداء دورها والتصرف في الأموال وفقاً لما هو منصوص عليه، خاصة إذا علمنا بأن وزارة المالية حتى الآن لم تستلم أي مبالغ مالية من لجنة إزالة التمكين حسب ما افاد الوزير. كما أن غياب المعلومات وتضارب التصريحات الصادرة من لجنة أزالة التمكين ووزارة المالية بخصوص استلام الأموال المستردة يفتح الباب واسعاً حول مصير هذه الأموال. هل لا زالت الأموال في حيازة لجنة إزالة التمكين؟ ام تم تسليمها الى الشركة القابضة؟ وكيف تدار هذه الأموال من تاريخ استردادها حتى الآن؟ كل هذه الأسئلة لا إجابة لها.
وزارة المالية هي صاحبة الولاية على المال العام، وجود أي أموال خارج وزارة المالية، يعتبر "تجنيب" للأموال العامة، وهذا الامر إذا وجد دون رقابة من ديوان المراجع العام، يعتبر تبديد للمال العام ومخالف للقوانين واللوائح المنظمة. يجب الإسراع والبت في الاستئنافات المقدمة للجنة الاستئنافات حتى يتم الفصل في القرارات النهائية التي تصدرها لجنة الاستئنافات عن طريق الدائرة القضائية المشكلة من رئيس القضاء للنظر في قرارات لجنة الاستئنافات. ويجب تعديل قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م والنص صراحة على "انشاء الشركة القابضة" بدلاً عن "لجنة إدارة الأموال المستردة" حتى تكون اعمال اللجنة متوافقة مع القانون، ولا تكون اعمال اللجنة عرضة للطعن الدستوري وعدم الدستورية مستقبلاً.
📌 اصدارات للمؤلف : د. مصعب علي عوض الكريم ، يمكنك شراء مؤلفات د.مصعب من هذه الروابط:
(1) "الشركة ذات المسئولية المحدودة وفقا لنظام الشركات السعودي" بالضغط هنا .
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات
لك التحية دكتور مصعب علي هذا المقال القيم ولكن الا تري ان هنالك فرف بين الاسترداد والمصادرة كما صرح السيد وزير العدل ؟
إرسال ردحذفوزير العدل صرح بأن الاسترداد ماخوذ من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، علماً بان الاسترداد في الاتفاقية يأتي في مرحلة لاحقة للمحاكمة والمصادرة حسب الاتفاقية.
إرسال ردحذف