مقتطفات من حقوق المتهم في مرحلة التحري
بقلم : الحاج حسب الله محمد _ عضو النيابة العامة
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون". (الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه)
فإن المتهم accused مثل غيره من البشر يجب النظر إليه كإنسان و أن لا تهدر حقوقه اللصقة بالإنسان لمجرد أنه اقترف جرما أو أتهم أو اشتبه بأنه ارتكب جريمة ما و من ثم ينبغي السماح للمتهم بالتمتع بجميع حقوقه التي كفلها له القانون دون نقص .
و لأهمية حقوق المتهم The rights of accused فقد وردت أدلة في الشريعة الإسلامية تكفل هذه الحقوق منها قوله تعالى "و لقد كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" الإسراء (70). و قوله سبحانه وتعالى : "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" (90) النحل
و تضمنت المواثيق والعهود الدولية هذه الحقوق و من ذلك ما جاء في المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية التي نصت على : " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة " .
و كذلك معظم الدساتير تضمنت حقوق المتهم و في السودان نصت الوثيقة الدستورية على هذه الحقوق حيث نصت المادة 52 من الوثيقة على عدد من المبادئ التي تعتبر ضمانات لحقوق المتهم في المحاكمة العادلة منها الفقرة 1 :" المتهم برئ حتى تثبت إدانته وفقا للقانون "
و أولت القوانين الجنائية حقوق المتهم أهمية بالغة حتى يتم تطبيقها في الإجراءات التي تتم في مواجهة المتهم، و من ذلك قانون الاجراءات الجنائية.
و سنتطرق في هذا المقال لتعريف حقوق المتهم و تعريف المتهم ثم نتناول بعض المواد من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة ١٩٩١ التي حوت على حقوق للمتهم.
حقوق المتهم :
تعريف المتهم:
المتهم هو كل شخص اتخذت سلطة التحقيق إجراء من إجراءات التحقيق في مواجهته أو أقيمت الدعوى الجنائية عليه.
مبادئ يجب مراعاتها :
و لقد نص قانون الاجراءات الجنائية السوداني لسنة ١٩٩١ على عدد من المباديء القانونية و اوجب مراعاتها و كل ذلك لمصلحة المتهم فوردت هذه المبادئ في المادة 4 و التي تقرأ كالآتي: تراعى عند تطبيق أحكام هذا القانون المبادئ الآتية:
1 _ لا تجريم ولا جزاء إلا بنص تشريعي سابق :
و هذا المبدأ يوافق قوله تعالى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء (15)
و يعني ذلك أنه إذا لم يوجد نص يجرم الفعل الذي قام به شخص ما فلا يجوز اتهام هذا الشخص و مباشرة إجراءات جنائية في مواجهته ، و كذلك لا يجوز إيقاع عقوبة على المتهم إلا بناء على نص تشريعي سابق.
2 _ المتهم برئ حتى تثبت إدانته وله الحق في أن يكون التحري معه ومحاكمته بوجه عادل وناجز :
كون أن الشخص متهما فلا يعني ذلك أنه مدان و أنه قد اقترف الجرم الذي نسب إليه كلا فإن وصف المتهم لا يدل على أنه مجرم، و يتمتع المتهم بقرينة البراءة و هي الأصل في الإنسان إلى أن يتم إثبات عكس هذه القرينة و يصدر حكم قضائي بإدانته.
و من حق المتهم أن تتم محاكمته بصورة عادلة غير مجحفة في حقه بسبب أنه متهم و إنما تتاح له الفرصة الكافية لدفع الاتهام الموجه إليه.
كما أن من حق المتهم أن تتم محاكمته بوجه ناجز، و أن المحاكمة الناجزة هذه لا تعني أن يقدم المتهم للمحاكمة بتحر غير مكتمل أو به تقصير، فكما أن للمتهم حقوق كذلك للاتهام حقوق و منها إثبات قضية الإتهام في مرحلتي التحري و المحاكمة سواء كان من يمثل الاتهام النيابة العامة أم الشخص المجني عليه أو وليه.
و حال ما اكتملت التحريات فيجب تقديم المتهم إلى المحاكمة و تفصل المحكمة في الدعوى بصورة ناجزة من غير تأخير غير مبرر يضر بمصلحة المتهم.
3 _ يحظر تعذيب المتهم أو الإعتداء عليه بأي وجه و لا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه:
لا يجوز لأحد أيا كان أن يعتدي على المتهم أو أن يأخذ منه ماله الخاص و إذا فعل شخص ما ذلك فيكون قد ارتكب جرما يستحق العقاب عليه.
و هذا الحظر يمنع التأثير على المتهم لانتزاع اعتراف منه دون رضاه و يؤدي إلى الانضباط و يمنع الفوضى حتى لا يفتح الباب لأن يأخذ الناس حقهم بأياديهم ، و أن يكون الإختصاص و السلطة في توقيع العقوبات البدنية و المالية حصرا على السلطة القضائية دون غيرها.
و أن المتهم لا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه لأنه لم يدع شيئا و أن الشاكي أو المبلغ هو من ادعى أن المتهم ارتكب الجريمة و عليه إثبات إدعاءه، و كما سلف الذكر أن المتهم يتمتع بأصل البراءة فمن يدعي عكس الثابت أصلا فعليه يقع عبء الإثبات .
4 _ يراعى الرفق كلما تيسر في إجراءات التحري والاستدعاء ولا يلجأ لممارسة سلطات الضبط إلا إذا كانت لازمة :
هذه من حقوق المتهم التي يجب مراعاتها في مرحلة التحري مع المتهم و أن ينظر إليه كإنسان و يتم التعامل معه برفق لأن الجريمة في حقه لم تثبت بعد و ربما لن تثبت، فيكون المتهم قد حبس و قبض عليه من غير ذنب، و ربما يسبب له ذلك ضررا مادياً و أدبيا.
لذلك لا يتم اللجوء إلى سلطات الضبط ما لم تكن ضرورية لاجراءات التحري، و هذه تقدر بقدرها و بحسب و قائع كل دعوى على حده فهناك متهمين لا ينصاعون الي الاستدعاء فمثل هؤلاء يجب القبض عليهم.
معاملة المقبوض عليه :
نصت المادة ٨٣ من قانون الإجراءات الجنائية على مواجهات معينة تتم بها معاملة المقبوض عليهم من المتهمين أو المشتبه بهم Suspects و نصت على الآتي :
(1) يعامل المقبوض عليه بما يحفظ كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً وتوفر له الرعاية الطبية المناسبة.
(2) لا يعرض المقبوض عليه في الحد من حريته لأكثر مما يلزم لمنع هربه.
(3) يكون للمقبوض عليه حق الاتصال بمحاميه والحق في مقابلة وكيل النيابة أو القاضي.
(4) يوضع المقبوض عليه في حراسة الشرطة التي تتولى القبض أو التحري ولا يجوز نقله أو وضعه في أي مكان آخر إلا بموافقة وكالة النيابة أو المحكمة.
(5) للمقبوض عليه الحق في إبلاغ أسرته أو الجهة التي يتبع لها والاتصال بها بموافقة وكالة النيابة أو المحكمة، وإذا كان المقبوض عليه حدثاً أو مصاباً بعاهة عقلية أو أي مرض بحيث لا يستطيع الاتصال بأسرته أو الجهة التي يتبع لها فعلى الشرطة الجنائية أو وكالة النيابة أو المحكمة من تلقاء نفسها إخطار الأسرة أو الجهة المعنية. (6) يكون للشخص المقبوض عليه الحق في الحصول على قدر معقول من المواد الغذائية واللباسية والثقافية على نفقته الخاصة مع مراعاة الشروط المتعلقة بالأمن والنظام العام.
(7) على المقبوض عليه أن يلتزم بقواعد الآداب العامة والسلوك السوي وأي لوائح منظمة للحراسات.
و نسبة لظروف بعض المقبوض عليهم فأجاز المشرع السوداني في المادة 84 من ذات القانون لوكيل النيابة أو القاضي متى رأى ذلك مناسباً أن يأمر بوضع المقبوض عليه تحت مراقبة الشرطة بدلاً عن وضعه في الحراسة على أن يبين ذلك للمقبوض عليه وتدون أسباب اعتراضه إن وجدت.
الإفراج بالضمان :
سلطات الضبط منحت للتمكن من القيام بالتحريات في الدعوى الجنائية و للتأكد من حضور المتهم متى ما طلب منه و لإمكانية تنفيذ الحكم عليه، فمتى ما توفرت هذه الأمور فلا داعي للقبض على المتهم و إبقاءه في الحبس لأن من حقوق المتهم أن يتم الإفراج عنه بالضمان متى ما اكتملت معه التحريات وفقاً للشروط التي تطلبها القانون .
و هذا تطبيقا لمبدأ : يراعي الرفق كلما تيسر...)
و لقد نظم المشرع السوداني أحكام الإفراج بالضمان فقد سمح بالإفراج في جرائم معينة و لم يسمح في جرائم أخرى و قد اشترط بعض الشروط للافراج بالضمان في بعض الجرائم.
فإذا توفرت شروط الإفراج بالضمان على المتهم فيجب الإفراج عنه بالضمان فوراً حيث أن ضبط المتهم و ايداعه الحراسة سلطة منحت بغرض التحري و بعد الفراغ من التحري فيجب الإفراج عنه لأن سبب الضبط قد زال.
و طبقا لنص المادة (105) : يكون الإفراج بالضمان عن المقبوض عليه على النحو الآتي:
( أ) بتعهد المقبوض عليه شخصياً بالحضور مع ضمانه مالية مقدرة أو بدونها،.
(ب)بكفالة شخص آخر يلتزم بإحضار المقبوض عليه مع ضمانة مالية مقدرة.
(ج)بالإيداع مع التعهد أو الكفالة.
و كل هذه الحقوق المكفولة للمتهم بموجب المواثيق الدولية و الدستور و القانون يجب السماح للمتهم بالتمتع بها و عدم حرمانه منها لأي سبب كان.
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات
جزاك الله خير مولانا الحاج
إرسال ردحذف